الصناعة المصرية: من أين بدأت وإلى أين وصلت؟ رحلة تحوّل الاقتصاد المصري عبر الزمن

تمثل الصناعة ركيزة أساسية لأي اقتصاد قوي، وهي أحد أهم محركات النمو والتوظيف والاستقرار. وفي مصر، مرّ القطاع الصناعي بمراحل متعددة من النشأة إلى التراجع ثم إعادة البناء، مما يجعله من القطاعات التي تعكس بدقة مسيرة التحول الاقتصادي في البلاد. في هذا المقال، نستعرض تطور الصناعة المصرية منذ بدايتها، أين كانت، وأين أصبحت، وما الآفاق المستقبلية أمامها.



أولًا: بدايات الصناعة في مصر


العصر الملكي وما قبل 1952:

الصناعات كانت محدودة ومتركزة في الغزل والنسيج وبعض الصناعات الغذائية.

الاعتماد كان كبيرًا على الاستيراد، وكانت الصناعة تحت سيطرة رأس المال الأجنبي.



ثانيًا: العصر الناصري (1952–1970) – بداية الانطلاقة


توجه الدولة نحو التصنيع الثقيل بقيادة الرئيس جمال عبد الناصر.

إنشاء مصانع كبرى مثل:

مصنع الحديد والصلب في حلوان

مجمع الألومنيوم في نجع حمادي

الصناعات الكيماوية والغذائية


تبنّي سياسة الإحلال محل الواردات، والاعتماد على القطاع العام بشكل كامل.


النتيجة:

نشأة بنية صناعية قوية، لكنها اعتمدت على الدعم الحكومي الكامل دون تنافسية أو إنتاجية عالية.



ثالثًا: الانفتاح الاقتصادي (1970–1990) – الركود والتحول


بدأ الانفتاح في عهد السادات، مما أدى إلى:

تباطؤ في توسع الصناعة الثقيلة.

تركيز على التجارة والخدمات على حساب الصناعة.


دخلت الاستثمارات الأجنبية، ولكنها اتجهت أكثر نحو الاستيراد والتجميع لا التصنيع الكامل.



رابعًا: التسعينيات وأوائل الألفية – الخصخصة والعولمة


تم خصخصة عدد كبير من المصانع العامة.

تراجع الدعم الحكومي للصناعة.

لم يتم تجهيز المصانع لمواجهة التنافس العالمي.


النتيجة:


تدهور بعض الصناعات الثقيلة.

ظهور صناعات جديدة مثل الملابس والأغذية، لكن بوتيرة بطيئة.



خامسًا: بعد 2011 – التحديات الكبرى


تراجعت الصناعة بسبب:

اضطرابات سياسية وأمنية.

انخفاض في الاستثمارات.

ارتفاع تكاليف الإنتاج ونقص الطاقة لفترة.




سادسًا: من 2016 حتى الآن – إعادة البناء والتحفيز


شهدت الصناعة المصرية انطلاقة جديدة بفضل:

1. الإصلاحات الاقتصادية

تحرير سعر الصرف زاد من تنافسية التصدير.

توفير الغاز والطاقة للمصانع.

تطوير البنية التحتية (طرق – موانئ – مناطق صناعية).


2. استراتيجية توطين الصناعة


مبادرة "ابدأ" لدعم الصناعة الوطنية.

توجيه الدولة لتقليل الواردات وتعميق التصنيع المحلي.


3. اتفاقيات التجارة الحرة


مثل اتفاقية الكوميسا وأغادير، فتحت أسواقًا جديدة للصادرات المصرية.



أبرز القطاعات التي تقدمت مؤخرًا


الصناعات الغذائية

الأدوية

مواد البناء

النسيج والملابس

الأجهزة الكهربائية المنزلية

الصناعات التحويلية



التحديات التي ما زالت قائمة


الاعتماد على استيراد خامات التصنيع

ضعف في التكنولوجيا المحلية

بطء إجراءات التراخيص الصناعية

نقص العمالة الفنية المدربة




التطلعات المستقبلية


تحقيق الاكتفاء الذاتي في الصناعات الاستراتيجية

نقل وتوطين التكنولوجيا من خلال الشراكات الدولية

زيادة نسبة المكون المحلي في الإنتاج

تطوير التعليم الفني والتقني

رفع مساهمة الصناعة في الناتج المحلي إلى أكثر من 20%




الصناعة المصرية مرت برحلة طويلة من الصعود والهبوط، لكنها اليوم تقف عند مفترق طرق: إما أن تنطلق لتكون قاطرة الاقتصاد، أو أن تتباطأ مجددًا. المستقبل لا يعتمد فقط على الدولة، بل أيضًا على المستثمرين ورواد الأعمال والتعليم الفني

 والابتكار. مصر لديها الإمكانات، والتحدي الآن هو في تحويل هذه الإمكانات إلى واقع صناعي مستدام.



Next Post Previous Post
No Comment
Add Comment
comment url